اسم الکتاب : معارف النفس الراضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 13
معارف ذهنية قد تتلاعب بها تقلبات القلوب إلى حقائق مقررة في
النفوس لا يمكن أن تقلع بأي حال من الأحوال، لأنها معارف ناشئة عن رؤية وبصيرة، لا
عن تقليد واتباع.
وإن شئت دليلا على ذلك
فتأمل فيما ورد في الحديث الشريف الذي حدث به الحارث بن مالك الانصاري، قال: مررت
بالنبي a
فقال:
كيف أصبحت يا حارث؟ قلت: أصبحت مؤمنا حقا، فقال: انظر ما تقول! فان لكل شئ حقيقة
فما حقيقة إيمانك؟ قلت: قد عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلى وأظمأت نهاري،
وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني
أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: (يا حارث! عرفت فالزم)([7])، وفي رواية أن رسول الله a قال له: (أصبت
فالزم.. مؤمن نور الله قلبه)
فرسول الله a في هذا الحديث لم يطلب من صاحبه أن يصف له بدقة ما رآه، ولا أن
يذكر له العلوم التي تعلمها، وإنما اكتفى منه بذلك، وأخبر أن قد تنور قلبه
بالإيمان، وأن ذلك النور هو الذي أتاح له أن يرى الحقائق التي كان محجوبا عنها
بسبب افتقاده للنور.
وذلك الصحابي لم يخرج
للناس، ويذكر لهم تفاصيل ما رآه، ولا العلوم التي تعلمها، وإنما بقي تلميذا وفيا
للنبوة، يردد الوحي الذي يتنزل على رسول الله a، ويحفظ الأحاديث
التي يسمعها منه، ولا يكلف نفسه بأن يضيف شيئا جديدا، لوحي ربه، أو لسنة نبيه.
فلذلك ـ أيها المريد
الصادق ـ لا تنتظر مني أن أشرح لك تلك الكلمات الغريبة، ولا المعاني المرتبطة
بها.. فهي ليست قرآنا معصوما، ولا أحاديث مروية عن معصومين حتى نجتهد في فهمها، أو
البحث عن الحقائق المرتبطة بها.. وإنما هي كلمات من بشر كسائر البشر، قد يقبل
منهم، وقد يرد عليهم، وقد يكتفى بالإعراض عنهم.