اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 96
وهذا يدل على أن التسبيح ليس وسيلة للتعرف على الله تعالى فقط، وإنما هو حبل
ممدود من الله تعالى لعباده، لإنقاذهم من كل ما قد يلم بهم من ألوان المصائب، وقد
ورد في الحديث عن رسول الله a أنه قال: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت
سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله
له) ([155])
والتسبيح ـ بذلك ـ ليس مجرد ألفاظ تردد، وإنما يمتد أثره للحياة جميعا،
فيملأها بالعبودية الصادقة المضمخة بعطر كل القيم الجميلة.
تسبيح الجوارح:
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد
الصادق ـ واندمج عقلك مع قلبك في تسبيح الله، وامتلأت جميع مشاعرك بالتقديس
والتعظيم؛ فإن آثار ذلك لا محالة ستسري إلى جوارحك، وتجعلها ممتلئة بالعبودية.
ولذلك
كانت الأعمال الصالحة ثمرة من ثمار تسبيح الله، ذلك أن من يعرف الله، وينزهه،
يستحيل عليه أن يعصي أمره، أو يتعدى حدوده، أو يقع فيما يقع فيه المغترون من الجمع
بين المعاصي والدعاوى.
ذلك
أن من ضروريات تسبيح الله معرفة صدقه في وعده ووعيده، وأن كلماته لا تبدل ولا
تغير، وأن كل ما جاء به أنبياؤه عليهم السلام حق لا باطل فيه، وواقع لا فرار منه، وذلك
ما يدعو إلى الحذر والخشية، وهما المحركان للتقوى والورع، وهما الجامعان لكل
الفضائل.
ولذلك
كان في تكرار تسبيح الله تذكيرا للنفس بهذه المعاني، حتى لا تحدث نفسها