اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 94
فتسبيح
الله الأعظم هو تسبيح قلبك، الذي هو حقيقتك، وليس تسبيح لسانك فقط، والذي ليس سوى
جارحة من جوارحك؛ فإياك أن تتوهم اقتصار التسبيح عليه؛ فتظلم نفسك، وتظلم هذه
العبادة العظيمة التي اشتغل بها الكون جميعا([154]).
ولذلك
يذكر الصادقون في سيرهم إلى الله انبهارهم بتلك المعاني التي تلوح على قلوبهم كل
حين، وهم يطالعون قدوسية الله وجلاله، كما عبر عن ذلك الشاعر بقوله:
ومع تفنن واصفيه بحسنه يفنى
الزمان وفيه ما لم يوصف
وعبر
آخر عن ذلك، فقال:
زدني بفرط الحب فيك تحيُّرا وارحم
حشى بلظى هواك تسعَّرَا
وتلك
الحيرة والانبهار هي الوحيدة التي تملأ النفس بالطمأنينة والسعادة، ذلك أن النفس
لا تستقر عند المحدود المقيد، بل هي تطلب العظمة المطلقة المنزهة عن كل نقص، والتي
لا تجدها إلا عند الله.
ولذلك يرتبط ذكر الله بالطمأنينة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]
وبين آثار الذكر على القلب، فقال:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: 2]
ولهذا أمر رسول الله a أن يلجأ للتسبيح حتى يصد تلك الحملات الظالمة التي كانت موجهة
إليه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا
يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ
[154] اتفق العلماء على
تقسيم الذكر إلى ذكر القلب واللسان، وعلى أن الأفضل هو الجمع بينهما، وأن ذكر
القلب أفضل من ذكر اللسان المجرد، قال ابن حجر: (ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر
عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإن
انضاف إلى النطق: الذكر بالقلب: فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر،
وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه: ازداد كمالا) [فتح الباري
(11 / 209)]
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 94