وإن
شئت ـ أيها المريد الصادق ـ أن تعرف مدى علو مرتبة الشهادة وإنقاذ الخلق في مراتب
السلوك، فاعلم أن الحكماء ذكروا أربع مراحل لسير السالكين: أولها السير من النفس
إلى الله، وهي رحلة البحث عن الله.. وثانيها: سير الإنسان من الله في الله، بحثا
عن معرفة الله.. وثالثها: سير الإنسان مع الله إلى خلق الله.. ورابعها: سير
الإنسان مع الله بين خلق الله، لإنقاذ خلق الله.
وهذه
المرحلة الأخيرة من سير السالكين، وهي رحلتهم لإنقاذ خلق الله من عبودية الشيطان،
هي التي سماها القرآن الكريم شهادة، ودعا إلى إقامتها مثل إقامة الصلاة، وأخبر
أنها من وظائف الرسل جميعا، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ
النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]
ولهذا
كان من العلامات الكبرى للوارث للنبوة، السالك سبيلها، غير المنحرف عنها، عدم
الركون للظلمة، أو السكون لهم، أو الرضا بأفعالهم، وإنما مواجهتهم بكل ما أتيح لهم
من أساليب.
ولهذا مارس كل أئمة الهدى هذه الوظيفة العظيمة، إلى أن لقوا الله
تعالى جميعا شهداء في هذا الطريق، كما عبر الإمام الرضا عن ذلك بقوله: (والله، ما
منا إلا مقتول شهيد)([1254])
[1254] الأمالي للصدوق ص120، وعيون أخبار
الرضا ج2 ص256.
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 631