اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 620
رجل: واللَّه إن هذه قسمة ما عدل فيها
وما أريد فيها وجه اللَّه. فقلت: واللَّه لأخبرن رَسُول اللَّهِ a فأتيته فأخبرته بما قال فتغير
وجهه حتى كان كالصرف ثم قال:(فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله؟)، ثم قال:(يرحم
اللَّه موسى قد أوذي بأكثر مِنْ هذا فصبر)([1234])
ولهذا
وصف الله تعالى الصالحين بمواجهة الأذى والرد عليه، لا الاعتزال الكامل عن الخلق،
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
(المؤمنون:3)، وقال: ﴿وَإِذَا
سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص:55)، وقال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ
قَالُوا سَلاماً﴾ (الفرقان:63)
ومن
أخبار الصالحين التي تمثل هذا المعنى القرآني خير تمثيل ما روي أن إبراهيم بن أدهم
خرج يوماً إلى بعض البراري فاستقبله رجل جندي فقال: أنت عبد؟ قال: نعم، فقال له:
أين العمران؟ فأشار إلى المقبرة، فقال الجندي: إنما أردت العمران؟ فقال: هو
المقبرة، فغاظه ذلك فضرب رأسه بالسوط فشجه ورده إلى البلد فاستقبله أصحابه فقالوا
ما الخبر؟ فأخبرهم الجندي ما قال له فقالوا، هذا إبراهيم بن أدهم فنزل الجندي عن
فرسه وقبَّل يديه ورجليه وجعل يعتذر إليه، فقيل بعد ذلك له: لم قلت له أنا عبد؟
فقال: إنه لم يسألني: عبد من أنت بل قال: أنت عبد؟ فقلت: نعم، لأني عبد الله، فلما
ضرب رأسي سألت الله له الجنة قيل كيف وقد ظلمك؟ فقال: علمت أنني أؤجر على ما نالني
منه فلم أرد أن يكون نصيبـي منه الخير ونصيبه مني الشر.
ويروى
أن داعيا دعا بعض الصالحين إلى وليمة ـ وكان الداعي قد أراد تجربته ـ فلما بلغ
منزله رده، وقال له: أنت لست مدعوا، فرجع، فلما ذهب غير بعيد دعاه ثانياً فقال له: