اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 617
رضا
ربي. فأوحى اللّه إلى نبيه، قل له إنك لن تبلغ رضاي حتى تخالط الناس وتصبر على
أذاهم، فخرج إلى الأسواق، وخالط الناس وجالسهم وواكلهم، وأكل الطعام بينهم، ومشى
في الأسواق معهم. فأوحى اللّه تعالى إلى نبيه، الآن قد بلغ رضاي)
وقد
قال بعض الحكماء ينكر على المعتزلين عزلة غير شرعية، مبينا الأمراض التي دعتهم إلى
ذلك: (فكم من معتزل في بيته وباعثه الكبر، ومانعه عن المحافل أن لا يوقر أو لا
يقدم، أو يرى الترفع عن مخالطتهم أرفع لمحله، وأبقى لطراوة ذكره بين الناس، وقد
يعتزل خيفة من أن تظهر مقابحه لو خالط، فلا تعتقد فيه الزهد والاشتغال بالعبادة
فيتخذ البيت سترا على مقابحه، إبقاء على اعتقاد الناس في زهده وتعبده، من غير
استغراق وقت في الخلوة بذكر أو فكر)
ثم
ذكر العلامات الدالة عليهم، فقال: (وعلامة هؤلاء أنهم يحبون أن يزاروا ولا يحبون
أن يزوروا ويفرحون بتقرب العوام والسلاطين إليهم، واجتماعهم على بابهم وطرقهم،
وتقبيلهم أيديهم على سبيل التبرك. ولو كان الاشتغال بنفسه هو الذي يبغض إليه
المخالطة وزيارة الناس، لبغض إليه زياراتهم له، كما حكيناه عن الفضيل حيث قال: وهل
جئتني إلا لأتزين لك وتتزين لي وعن حاتم الأصم أنه قال للأمير الذي زاره: حاجتي أن
لا أراك ولا تراني. فمن ليس مشغولا مع نفسه بذكر اللّه، فاعتزاله عن الناس سببه
شدة اشتغاله بالناس، لأن قلبه متجرد للالتفات إلى نظرهم إليه بعين الوقار
والاحترام والعزلة بهذا السبب جهل) ([1232])
ولهذا
كان الإمام الحسن يمرّ بالشحاذين، وبين أيديهم كسر الخبز، فيقولون: هلمّ إلى
الغداء يا ابن رسول الله a، فكان ينزل على الطريق ويأكل معهم، ويقول: (إنّ الله لا يحبّ