اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 616
أول
الأدوار التي تؤديها المخالطة في التربية والتزكية والتهذيب ـ أيها المريد الصادق
ـ ما يمكن تسميته
[تنمية
طاقة التحمل]، ذلك أن النفس ـ بسبب اعتزالها الطويل عن الخلق ـ لا تتعرض
للكثير من أنواع البلاء التي ترتبط بالمخالطة، وبذلك تصبح ضعيفة هشة قد يؤثر فيها
أبسط المواقف، ولذلك فإن تنمية قوتها ترتبط بمخالطة المجتمع.
فالله
تعالى يحضر الأنفس المؤمنة لاستقبال البلاء بما يخبر به من سنته في خلقه وسنته في
المؤمنين، حتى تتأدب الأنفس بأدب الصبر العظيم الذي يوفر لها الطاقة على تحمل البلاء.
والفائدة
الثانية من ذلك هي اكتشاف المؤمن لنفسه، وتشخيصه لأدوائه، ذلك أنه لا يمكنه أن
يشخصها، وهو بعيد عن المجتمع، وإلى ذلك الإشارة بما ورد في القرآن الكريم من أن
المقصد من البلاء، ليس ذات البلاء، وإنما تمحيص الأنفس، وتبيين حقيقتها، والتفريق
بين الطيب والخبيث، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ
رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران:179)
ومما
يروى في ذلك أن (حكيما من الحكماء صنّف كتبا كثيرة في الحكمة حتّى ظنّ أنّه قد نال
عند الله منزلة، فأوحى الله إلى نبيّ زمانه: (قل لفلان إنك قد ملأت الأرض نفاقا،
وإنى لا أقبل من نفاقك شيئا)، فتخلى وانفرد في سرب تحت الأرض، وقال الآن قد بلغت
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 616