اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 607
يشاهده من أعمال
الناس وأخلاقهم فهو داء دفين قلّما يتنبّه له العقلاء فضلا عن الغافلين، فلا يجالس
الإنسان فاسقا مدّة مع كونه منكرا عليه في باطنه إلّا ولو قاس نفسه إلى ما قبل
مجالسته لأدرك بينها تفرقة في النفرة عن الفساد واستثقاله إذ يصير الفساد بكثرة
المشاهدة هيّنا على الطبع ويسقط وقعه واستعظامه له، وإنّما الوازع عنه شدّة وقعه
في القلب فإذا صار مستصغرا بطول المشاهدة
أو شك أن تنحل القوّة الوازعة، ويذعن الطبع للميل إليه أو لما دونه ومهما طالت
مشاهدته للكبائر من غيره استحقر الصغائر من نفسه، ولذلك يزدري الناظر إلى الأغنياء
نعمة الله عليه فيؤثر مجالستهم في أن يستصغر ما عنده، ويؤثر مجالسة الفقراء في
استعظام ما أتيح له من
النعم، فكذلك النظر إلى المطيعين والعصاة وهذا تأثيره في الطبع، فمن يقصر نظره على
ملاحظة أحوال الصالحين
في العبادة والتنزّه عن الدّنيا فلا يزال ينظر إلى نفسه بعين الاستصغار، وإلى
عبادته بعين الاستحقار، وما دام يرى نفسه مقصّرا، لا يخلو عن داعية الاجتهاد رغبة
في الاستكمال واستيمالا للاقتداء، ومن نظر إلى الأحوال الغالبة على أهل الزّمان
وإعراضهم عن الله، وإقبالهم على الدّنيا، واعتيادهم للمعاصي استعظم أمر نفسه بأدنى
رغبة في الخير يصادفها في قلبه، وذلك هو الهلاك، ويكفي في تغيير الطبع مجرّد سماع
الخير والشرّ فضلا عن مشاهدته) ([1224])
وإلى
هذه المعاني الإشارة بما روي عن بعضهم أنه لزم المقابر والدّفاتر فقيل له: في ذلك
فقال: لم أر أسلم من الوحدة، ولا أوعظ من قبر، ولا جليسا أمتع من دفتر.
و
كان بعضهم يريد الحجّ وأراد آخر مصاحبته، فقال له: دعنا ويحك نتعايش بستر الله
إنّي أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
وقال
بعضهم: جئت إلى مالك بن دينار وهو قاعد وحده وإذا كلب قد وضع حنكه
[1224] المحجة البيضاء
في تهذيب الإحياء، ج4، ص: 17
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 607