اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 598
ثم ذكر نماذج عما يمارسه الشيخ المربي مع تلاميذه ومريديه فإن (كان المريد
مبتدئا جاهلا بحدود الشرع، فيعلمه أولا الطهارة والصلاة وظواهر العبادات، وإن كان
مشغولا بمال حرام أو مقارفا لمعصية، فيأمره أولا بتركها، فإذا تزين ظاهره
بالعبادات وطهر عن المعاصي الظاهرة جوارحه نظر بقرائن الأحوال إلى باطنه ليتفطن
لأخلاقه وأمراض قلبه، فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر ضرورته أخذه منه وصرفه إلى
الخيرات وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه، وإن رأى الرعونة والكبر وعزة النفس
غالبة عليه فيأمره أن يمارس ما يكسر كبره وعز نفسه.. وإن رأى الغالب عليه النظافة
في البدن والثياب ورأى قلبه مائلا إلى ذلك فرحا به ملتفتا إليه استخدمه في تعهد
بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان حتى تتشوش
عليه رعونته في النظافة، فإن الذين ينظفون ثيابهم ويزينونها ويطلبون المرقعات
النظيفة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار،
فلا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما، فمهما عبد غير الله تعالى فقد حجب
عن الله ومن راعى في ثوبه شيئا سوى كونه حلالا وطاهرا مراعاة يلتفت إليها قلبه فهو
مشغول بنفسه)([1202])
وهكذا قد يضطر الشيخ أن يمنع بعض المباحات عن المريد أو يكلفه ببعض ما لم
يوجبه الشرع لتستقيم نفسه بذلك، وقد ذكر القرآن الكريم نهي طالوت لجنده من شرب
الماء مع توفره، بل مع كثرته، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ
بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ
فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ
غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: 249]، وذلك لأن الجندي الذي لا يطيق أن يصبر
على الماء لا يمكنه أن يصبر على مواجهة جالوت.