وهكذا
اعتبر من وظائف العلماء وورثة الرسل عليهم السلام الإنذار، فقال:﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة:122)
وهذا
لا يعني ـ أيها المريد الصادق ـ الاقتصار على الإنذار دون التبشير، أو على نشر
الرهبة دون الرغبة؛ فذلك انحراف لا يقل عن الانحراف الذي ينشره أصحاب الأماني..
ذلك أن الله تعالى ذكر كلا الأمرين، والاقتصار على أحدهما تحريف لكلماته المقدسة.
ولهذا
يقرن الله تعالى ذكر الجنة بذكر النار.. وذكر الرحمة بذكر العدالة.. حتى تستقيم
النفوس من خلال زرع الرغبة والرهبة فيها، كما قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾
(الحجر:50)، وقوله: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ
الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾
(غافر:3)
وقال
في الدعوة لإعمال العقل في المقارنة بين أهل النار وأهل الجنة: ﴿أَفَمَن
يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[فصلت:
40]، وقال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن
رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾[محمد: 15]، وقال: ﴿وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾[الشعراء:
90 - 91].
وغيرها
من الآيات الكثيرة، ومثلها من أحاديث رسول الله a وأئمة الهدى..
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 559