اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 558
فهل
كان رسول الله a غافلا عن رحمة ربه الواسعة حين نطق بهذه الكلمات؟ أم أنه كان
يعرفها، ويعرف أن رحمة الله لا تتناقض مع عدل الله.. وإنما هي رحمة خاصة بمن توفرت
فيه شروطها، كما قال تعالى: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾
[الأعراف: 156]
فهل
من الأدب بعد هذا أن نفرض إرادتنا على الله، ونلزمه بأن يرحم من لم يستحق الرحمة
بسبب تجاوزه للحدود والسنن التي أمر بعدم تجاوزها؟
وهكذا
ـ أيها المريد الصادق ـ إن رحت تتدبر القرآن الكريم، وفي وصفه لعباد الله
الصالحين، ستجده مليئا بذكر رهبتهم وخشيتهم من الله وعذابه، وهي رهبة حقيقية،
وليست تمثيلا.. ولو كانوا يعلمون أن الوعيد ليس سوى تهديد لا حقيقة له، ما فعلوا
ذلك.
ولذلك؛
فإن الذين ينشرون مثل تلك الأفكار، يحاربون من حيث لا يشعرون وظيفة الإنذار التي
اعتبرها الله تعالى من وظائف رسله الكرام عليهم السلام، فقد قال تعالى:﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ (البقرة:213)،
وقال:﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾
(النساء:165)، وقال:﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ
عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا
أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ (النحل:2)
وأخبر
عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه:﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ
مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ﴾ (لأعراف:63)
وأخبر
عن هود عليه السلام أنه قال لقومه:﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ
مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ
خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (لأعراف:69)
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 558