اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 557
الرهبه والخشیه
كتبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الرهبة والخشية، ودورهما في التزكية والترقية، وعن أولئك الذين
غلب عليهم الإرجاء، فصاروا يسخرون من كل من يحذر من عذاب الله بحجة أنه لا يعرف
رحمة الله الواسعة، وأن العذاب ليس سوى عذوبة، وأن الوعيد ليس سوى مجرد تهديد..
ورحمة الله ستشمل الجميع المسيء والمصلح.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن هؤلاء الذين يذكرون هذا هم أصحاب الأماني الذين ذكرهم
الله تعالى في قوله: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ
الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ
وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ [النساء:123]
فهم
قد رسموا في أذهانهم صورة لربهم، لا يدل عليها الواقع، ولا النصوص المقدسة، ولا
أنبياء الله ورسله، ولا أئمة الهدى وورثة النبوة، وإنما تدل عليها رغباتهم التي
تمتلئ بها نفوسهم.. فلذلك أتاحوا لها أن تضرب الحقائق بعضها ببعض، فتتوهم أن
الرحمة تتنافى مع العدالة أو مع العقوبة التي وضعها الله تعالى لمن يستحقونها.
ولذلك
هم عبيد الأهواء والأوهام، وليسوا عبيد الله الذي عرفنا بنفسه من خلال كتبه ورسله
وورثتهم الصادقين المخلصين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا.
وقد
قال رسول الله a، وهو أعرف العارفين بالله، وبرحمته الواسعة: ـ (إنِّي أرى ما لا
ترَون، وأسمع ما لا تسمعون، إنَّ السماء أطت، وحقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع
أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً
ولبكيتم كثيرًا، وما تلذَّذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى
الله) ([1131])