اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 48
أنها
في حقيقتها ليست سوى تذكر لله، وإهداء للأعمال والقربات إليه.
ومثل
ذلك كل الأعمال؛ فالقصد منها جميعا التقرب إلى الله، والتعرف عليه، والتواصل معه،
والتأدب بين يديه.
ودوره
التربوي الإصلاحي يشبه استرخاء المريض على سرير الطبيب الحاذق ليترك له الحرية في
أن يعالجه بالطريقة التي يشاء.. ولهذا كلما كان الذاكر أكثر حضورا مع ربه، وكلما
أدمن ذلك الحضور، كلما تيسر له التخلص من علله.
ولذلك
كان الذكر أسهل المدارس التربوية، وأكثرها ضمانا، ذلك أنه لا يتطلب الكثير من
المعارف والعلوم، ولا يحتاج إلى شيء من الجدل والفلسفة، بل يكفي فيه الحضور مع
الله، واستشعار وجوده وعظمته وصفاته وكماله، ليكون لكل ذلك تأثيره في الروح والنفس
وكل اللطائف.
ولهذا ورد في الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله إن أبواب
الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بما شئت أتشبَّثُ به، ولا تكثر
عليَّ فأنسى، فقال رسول الله a: (لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى)([49])
وأخبر a عن سر ذلك التأثير الذي خص الله تعالى به الذكر، فقال: (مَثَلُ
الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثَلُ الحيِّ والميتِ)([50])، وهو يشير إلى أن القائم بأي
عمل صالح إن لم يستحضر ذكر الله فيه يكون بمثابة الآلة الجامدة التي تؤدي دورها من
دون أن تستفيد منه، ولا أن تكون حاضرة فيه.
ولهذا
أخبر رسول الله a أن قيمة كل عمل بقدر حضور العامل فيه مع ربه،
[49] الترمذي (3435-تحفة)، وابن ماجه
(2793)، والحاكم (1/495)