اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 477
وهذا
ما يجعل العاقل مراقبا لعمله في كل لحظة، وهل ما زال محافظا على شرعيته، أم طرأ
عليه ما يخرجه عن الشرعية؛ فليس كل ما بدأ شرعيا يظل كذلك، ذلك أن الشيطان لا ييأس
من العامل حين يبدأ العمل، بل يظل يتابعه إلى أن يفسده عليه.
وقد
ذكر بعض الحكماء أنواع المراقبة المرتبطة بالأعمال المختلفة، فقال: (لا يخلو العبد
إما أن يكون في طاعة، أو في معصية، أو في مباح: فمراقبته في الطاعة بالإخلاص
والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات.. ومراقبته في المعصية بالتوبة والندم
والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكر.. ومراقبته في المباح بمراعاة الأدب، ثم بشهود
المنعم في النعمة وبالشكر عليها.. وبما أن العبد لا يخلو في جملة أحواله عن بلية
لا بدّ له من الصبر عليها ونعمة لا بدّ له من الشكر عليها فعليه بمراقبة نفسه في
تلك الأحوال.. بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه: إما فعل يلزمه
مباشرته، أو محظور يلزمه تركه، أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى
ويسابق به عباد الله، أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته.. ولكل
واحد من ذلك حدود لا بدّ من مراعاتها بدوام المراقبة)
بل
إن الورع ـ أيها المريد الصادق ـ يراقب نفسه حتى في الساعات التي هو فيها مشغول
الجوارح بالمطعم والمشرب، فإنه مع هذا الاشتغال لا يخلو عن عمل هو أفضل الأعمال
وهو الذكر والفكر، فإن الطعام الذي يتناوله مثلاً فيه من العجائب ما لو تفكر فيه
وفطن له كان ذلك أفضل من كثير من أعمال الجوارح.
ومما
ييسر لك ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ علمك أن (ساعات الإنسان ثلاثة: ساعة مضت لا
تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية.. وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا
يدري العبد أيعيش إليها أم لا، ولا يدري ما يقضي الله فيها.. وساعة راهنة ينبغي أن
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 477