اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 467
الاستغراق في الذكر والمعرفة، فإنه (لا يفتقر
إلى تنويع الأوراد واختلافها بل ورده بعد المكتوبات واحد، وهو حضور القلب مع الله
تعالى في كل حال) ([992])
وأمثال
هؤلاء (لا يخطر بقلوبهم أمر، ولا يقرع سمعهم قارع، ولا يلوح لأبصارهم لائح، إلا
كان لهم فيه عبرة وفكر ومزيد، فلا محرك لهم ولا مسكن إلا الله تعالى، فهؤلاء جميع
أحوالهم تصلح أن تكون سببا لازديادهم، فلا تتميز عندهم عبادة عن عبادة.. وهذه
منتهى درجات الصديقين، ولا وصول إليها إلا بعد ترتيب الأوراد والمواظبة عليها دهرا
طويلا، فلا ينبغي أن يغتر المريد بما سمعه من ذلك فيدعيه لنفسه، ويفتر عن وظائف
عبادته فذاك علامته أن لا يهجس في قلبه وسواس، ولا يخطر في قلبه معصية، ولا تزعجه
هواجم الأهوال، ولا تستفزه عظائم الاشغال) ([993])
هذا
جوابي على رسالتك ـ أيها المريد الصادق ـ فاحرص على أن تمتثل هذه التجارب العملية
التي ذكرها الحكماء، واتفقوا عليها، واعلم أنك لا يمكنك أن تصل المراتب الرفيعة في
سلم التخلق والتحقق ما لم تلزم نفسك بها، وتشرطها عليها.
ولا
تكن حرفيا في ذلك؛ فهم قد ذكروا ما يتناسب مع عصورهم وظروفهم وأحوالهم وبيئاتهم،
فانظر أنت في ظروفك وبيئتك وما تطلبه منك الشريعة واعمل بمقتضاه؛ فأنا ما ذكرت لك
كلماتهم ووصاياهم لتأخذ بها كما تأخذ بكلمات ربك المقدسة، وإنما ذكرتها لك لتستفيد
منها، وتبني عليها ما تراه متناسبا مع حالك.