اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 463
وكان يختم الواحد منهم في اليوم مرة وروى
مرتين عن بعضهم، وكان بعضهم يقضى اليوم أو الليلة في التفكر في آية واحدة يرددها،
وكان بعضهم مقيما بمكة، فكان يطوف في كل يوم سبعين أسبوعا، وفي كل ليلة سبعين
أسبوعا، وكان مع ذلك يختم القرآن في اليوم والليلة مرتين، فحسب ذلك فكان عشرة
فراسخ، ويكون مع كل أسبوع ركعتان فهو مائتان وثمانون ركعة وختمتان وعشرة فراسخ) ([985])
وقد
ذكر الحكماء أن على المتفرغ للعبادة أن ينظر فيما يناسبه من تلك الأوراد جميعا،
ليلتزم به، ولذلك فإن (الأفضل يختلف باختلاف حال الشخص، ومقصود الأوراد تزكية
القلب، وتطهيره، وتحليته بذكر الله تعالى، وإيناسه به، فلينظر المريد إلى قلبه فما
يراه أشد تأثيرا فيه فليواظب عليه، فإذا أحس بملالة منه فلينتقل إلى غيره، ولذلك
نرى الأصوب لاكثر الخلق توزيع هذه الخيرات المختلفة على الأوقات، والانتقال فيها
من نوع إلى نوع، لأن الملال هو الغالب على الطبع، وأحوال الشخص الواحد في ذلك أيضا
تختلف، ولكن إذا فهم فقه الأوراد وسرها فليتبع المعنى، فإن سمع تسبيحة مثلا وأحس
لها بوقع في قلبه فليواظب على تكرارها ما دام يجد لها وقعا)
أما
المتفرغ للعلم والتدريس والكتابة ونحوها، فقد ذكر الحكماء أن (ترتيبه الأوراد
يخالف ترتيب العابد، فإنه يحتاج إلى المطالعة للكتب، وإلى التصنيف والإفادة،
ويحتاج إلى مدة لها لا محالة، فإن أمكنه استغراق الأوقات فيه فهو أفضل ما يشتغل
بعد المكتوبات ورواتبها، ويدل على ذلك ما ورد في فضيلة التعليم والتعلم، وكيف لا
يكون كذلك وفي العلم المواظبة على ذكر الله تعالى، وتأمل ما قال الله تعالى وقال
رسوله وفيه منفعة الخلق وهدايتهم إلى طريق الآخرة، ورب مسألة واحدة يتعلمها
المتعلم فيصلح بها عبادة عمره،