اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 462
العبودية التي وردت بها الشريعة.
وبما
أن تلك الوظائف كثيرة، منها ما يرتبط بالأيام، ومنها ما يرتبط بالمناسبات
المختلفة، ولا يمكن لكل الناس القيام بها جميعا؛ فقد ذكر الحكماء أن على كل مريد
أن يأخذ منها ما يتناسب معه، ومع حاله.
يقول
بعضهم في ذلك: (اعلم أن المريد لحرث الآخرة، السالك لطريقها، لا يخلو عن ستة
أحوال، فإنه إما عابد، واما عالم، واما متعلم، واما وال، واما محترف، واما موحد
مستغرق بالواحد الصمد عن غيره) ([984])
وبناء
على هذا التقسيم الذي يمكن أن يشمل جميع أصناف الناس، ذكر الحكماء المشارطات
المرتبطة بالعبّاد، وهم كل متفرغ للعبادة، ليس له شغل سواها؛ فهو ليس عالما ولا
طالب علم، ولا موظفا، ولا مسؤولا، ولا مكلفا بأي علم غير العبادة، وهو ما ينطبق
عليه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ
فَارْغَبْ﴾ [الشرح: 7، 8]
وربما
يشمل هذا القسم أولئك المتقاعدين الذين بلغوا سنا معينة، أزيحت عنهم بها كل
التكاليف والوظائف التي كانت تمنعهم من التفرغ للعبادة والذكر، كما يشمل غيرهم ممن
يفرغون أنفسهم أحيانا لذلك، بناء على دورات روحية يجرونها لأنفسهم.
فهذا
الصنف: (المتجرد للعبادة الذي لا شغل له غيرها أصلا، ولو ترك العبادة لجلس بطالا،
فترتيب أوراده بأن يستغرق أكثر أوقاته، إما في الصلاة، أو في القراءة، أو في
التسبيحات، فقد كان في الصالحين من ورده في اليوم اثنا عشر ألف تسبيحة، وكان فيهم
من ورده ثلاثون ألفا، وكان فيهم من ورده ثلاثمائة ركعة إلى ستمائة، وإلى ألف ركعة،
وأقل ما نقل في أورادهم من الصلاه مائة ركعة في اليوم والليلة، وكان بعضهم أكثر
ورده القرآن،