اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 402
بعد أخرى إظهارا للخلوص في الخدمة ورجاء
للملاحظة بعين الرحمة كالّذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الّذي يقضي به
الملك في حقّه من قبول أو ردّ، فلا يزال يتردّد على فناء الدّار مرّة بعد أخرى
يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى، وليتذكّر عند تردّده بين الصفا
والمروة تردّده بين كفّتي الميزان في عرصات القيامة وليمثّل الصفا بكفّة الحسنات
والمروة بكفّة السيئات وليتذكّر تردّده بين الكفّتين ناظرا إلى الرجحان والنقصان
مردّدا بين العذاب والغفران) ([833])
وتذكر عند الوقوف بعرفة (ازدحام الخلق، وارتفاع الأصوات، واختلاف
اللّغات، واتّباع الفرق أئمّتهم في التردّدات على المشاعر اقتفاء لهم وسيرا
بسيرتهم عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمّة واقتفاء كلّ امّة
نبيّها وطمعهم في شفاعتهم وتحيّرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الردّ والقبول، وإذا
تذكّرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله فتحشر في زمرة الفائزين
المرحومين وحقّق رجاءك بالإجابة فالموقف شريف والرّحمة إنّما تصل من حضرة الجلال
إلى كافّة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض ولا ينفكّ الموقف عن طبقة
من الأبدال والأوتاد وطبقات من الصالحين وأرباب القلوب، فإذا اجتمعت هممهم
وتجردّت للضّراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله أيديهم، وامتدّت إليه
أعناقهم، وشخصت نحو السماء أبصارهم، مجتمعين بهمّة واحدة على طلب الرّحمة، فلا
تظنّنّ أنّه يخيّب أملهم، ويضيّع سعيهم، ويدّخر عنهم رحمه تعمرهم)
([834])
وتذكر عند الوقوف بالمشعر (أنّه قد أقبل عليك مولاك بعد أن كان
مدبرا عنك طاردا لك عن بابه، فأذن لك في دخول حرمه فإنّ المشعر من جملة الحرم
وعرفة خارجة عنه فقد