اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 362
رسول
الله: إن ههنا امرأتين قد صامتا، وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش. فأعرض عنه،
ثم عاد، فقال: يا نبي الله! إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا، فقال:
ادعهما. فجاءتا. فجيء بقدح أو عُسٍّ؛ فقال لإحداهما: قيئي. فقاءت قيحاً أو دماً
وصديداً ولحماً، حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قيئي. فقاءت من قيح ودم وصديد
ولحم عبيط وغيره، حتى ملأت القدح. ثم قال: (إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا
على ما حرم الله عز وجل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى؛ فجعلتا يأكلان لحوم
الناس) ([730])
وفي حديث آخر قال a: (من اغتاب مسلما بطل صومه، ونقض وضوؤه؛
فإن مات وهو كذلك مات وهو مستحلّ لما حرّم الله)([731])
وليس ذلك فقط ما يحفظ للصوم حرمته، ويجعله مدرسة للتقوى، بل إن
على الصائم حين إفطاره ألا يقع فيما نهى الله تعالى عنه من الإسراف في الأكل
والشرب، كما قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]
وقد ذكر بعض الحكماء ذلك، فقال متعجبا: (كيف يستفاد من الصوم قهر عدوّ الله وكسر
الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد في ألوان الطعام
حتّى استمرّت العادات بأن يدّخر جميع الأطعمة لرمضان فيأكل من الأطعمة فيه ما لا
يؤكل في عدّة أشهر، ومعلوم أنّ مقصود الصوم الخوي وكسر الهوى ليقوي النفس على
التقوى، وإذا دفعت المعدة ضحوة النهار إلى العشاء حتّى هاجت شهوتها وقويت رغبتها، ثمّ أطعمت من اللّذات وأشبعت زادت
لذّتها، وتضاعفت قوّتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على
عادتها، فروح الصوم وسرّه تضعيف القوى الّتي هي
[730] رواه ابن أبي
شيبة في مسنده (2/177) وأحمد (5/431