اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 354
الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا
يعلمه إلّا الله تعالى؛ فإنّه عمل في الباطن بالصبر المجرّد.. والثاني أنّه قهر
لعدوّ الله؛ فإنّ وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات، وإنّما يقوي الشهوات بالأكل
والشرب ولذلك قال a: (إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم فضيّقوا مجاريه بالجوع)([699]))؛ فلمّا كان الصوم على الخصوص
قمعا للشيطان وسدّا لمسالكه وتضييقا لمجاريه استحقّ التخصيص بالنسبة إلى الله؛ ففي
قمع عدوّ الله نصرة لله ونصرة الله للعبد موقوفة على النصرة له.. فالبداية بالجهد
من العبد والجزاء بالهداية من الله.. وإنّما التغيير بكسر الشهوات، فهي مرتع
الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع تردّدهم وما داموا يتردّدون فلا ينكشف
للعبد جلال الله وكان محجوبا عن لقائه)
([700])
وما
ذكره هذا الحكيم هو الذي أشارت إليه النصوص المقدسة الكثيرة، فالله تعالى أخبر أنه
ينصر من ينصره، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، وهذا
يدل على أن من يجاهد نفسه بالصوم فرضا أو نافلة، يقوم بنصرة الله، ومحاربة شيطانه؛
فلذلك يستحق نصر الله له.
ومثل
ذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾
[العنكبوت: 69]؛ فالصائم الذي جاهد نفسه في ذات الله ينال ذلك الفضل الإلهي الذي
هو الهداية، والتي تشمل التزكية والترقية.
ومثل
ذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله a، فقد قال: (لو لا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم
لنظروا إلى ملكوت السماء) ([701])، وهذا يدل على أن الذي يجاهد