اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 333
الخشوع: (والتحقيق فيه أنّ المصلّي مناج
ربّه كما ورد الخبر به والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة البتّة، وبيانه أن الزكاة إن
غفل الإنسان عنها مثلا فهي في نفسها مخالفة للشهوة، شديدة على النفس، وكذا الصوم
قاهر للقوى، كاسر لسطوة الهوى الّذي هو آلة الشيطان عدوّ الله، فلا يبعد أن يحصل
منهما مقصود مع الغفلة، وكذلك الحجّ أفعاله شاقّة شديدة، وفيه من المجاهدة ما يحصل
به الإيلام، كان القلب حاضرا مع أفعاله أو لم يكن، أمّا الصلاة فليس فيها إلّا ذكر
وقراءة وركوع وسجود وقيام وقعود، أمّا الذكر فإنّه محاورة ومناجاة مع الله تعالى
فامّا أن يكون المقصود منه كونه خطابا ومحاورة، أو المقصود الحروف والأصوات
امتحانا للّسان بالعمل كما تمتحن المعدة بالإمساك في الصوم، وكما يمتحن البدن
بمشاقّ الحجّ ويمتحن القلب بمشقة إخراج الزكاة واقتطاع المال المعشوق، ولا شكّ في
أنّ هذا القسم باطل فإنّ تحريك اللّسان بالهذيان ما أخفّه على العاقل فليس فيه
امتحان من حيث إنّه عمل بل المقصود الحروف من حيث إنّه نطق ولا يكون نطقا إلّا إذا
أعرب عمّا في الضمير، ولا يكون معربا إلّا بحضور القلب فأيّ سؤال في قوله:
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إذا كان القلب غافلا، وإن لم يقصد كونه
تضرّعا ودعاء فأيّ مشقّة في حركة اللّسان به في الغفلة لا سيّما بعد الاعتياد؟)([670])
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاسمع لما سأحدثك عنه من أسباب الخشوع، وكيفياته؛
لعل الله ينفعك بها، فتجاهد نفسك في تحصيلها، وفي الترقي في معارجها.
أسباب الخشوع:
اعلم
ـ أيها المريد الصادق ـ أن للخشوع في الصلاة مراتب مختلفة بحسب المنازل التي
[670] المحجة البيضاء
في تهذيب الإحياء، ج1، ص: 370
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 333