اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 320
في السّجود، ولا قرب إليه أبداً مَن أساء
أدبه، وضيّع حرمته، بتعليق قلبه بسواه في حال سجوده، فاسجد سجود متواضع ذليل، علم
أنّه خُلق من تراب يطأه الخلق، وأنّه رُكّب من نطفة يستقذرها كلّ أحد، وكُوّن ولم
يكن.. وقد جعل الله معنى السّجود سبب التقرّب إليه بالقلب والسّر والرّوح، فمَن
قَرُب منه بعد من غيره، ألا يرى في الظاهر أنّه لا يستوي حال السّجود إلاّ
بالتّواري عن جميع الأشياء، والاحتجاب عن كلّ ما تراه العيون، كذلك أراد الله
تعالى أمر الباطن، فمَن كان قلبه متعلّقاً في صلاته بشيء دون الله فهو قريبٌ من
ذلك الشيء، بعيدٌ من حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال الله عزّ وجل: ﴿مَا
جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ [الأحزاب: 4]، وقال
رسول الله a: قال الله عزّ وجل: (لا أطّلع على قلب عبدٍ، فأعلم منه حبّ الإخلاص لطاعتي
لوجهي وابتغاء مرضاتي، إلا تولّيت تقويمه وسياسته، ومَن اشتغل في صلاته بغيري فهو
من المستهزئين بنفسه، ومكتوبٌ اسمه في ديوان الخاسرين)([627])
وقد
علق بعض الحكماء على هذا الحديث في رسالة كتبها لبعض مريديه، فقال: (تأمل في هذا
الحديث، ولا تتصوّر صلاة أهل الله كصلاتنا. إن حقيقة الخلوة مع الحق ترك الغير حتى
النفس التي هي من أعظم الأغيار وأضخم الحجب وما دام الإنسان مشغولاً بنفسه فهو
غافل عن الحق فكيف يمكن له الخلوة مع الحق. ولو حصلت له الخلوة الحقيقية في سجدة
واحدة في جميع العمر فإنه ليجبر الخسارات في بقية العمر وتساعده عناية الحق ويخرج
عن دائرة دعوة الشيطان، ولو كان القلب في حال السجدة التي هي ترك إظهار الغيرية
ورفض الأنانية مشغولاً بالغير فإنه لينسلك في زمرة المنافقين وأهل الخدعة أعوذ
بالله تعالى من مكايد النفس والشيطان ومن الخسران والخذلان والفضيحة في المحضر