اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 292
الاوليين استأنس روحه وسرّه بالله ووجد
حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بقبول كراماته
وبدائع إشاراته، فإذا شرب كأسا من هذا المشرب حينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا
ولا على ذلك الوقت وقتا بل يؤثره على كلّ طاعة وعبادة لأنّ فيه المناجاة مع الرّبّ
بلا واسطة، فانظر كيف تقرأ كتاب ربّك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره ونواهيه وكيف
تمتثل حدوده فإنّه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من
حكيم حميد، فرتّله ترتيلا وقف عند وعده ووعيده وتفكّر في أمثاله ومواعظه واحذر أن
تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده)([578])
وذكر بعض الحكماء المشاهد
التي يعيشها ويتذوقها من وصل إلى تلك المرحلة من التفاعل مع القرآن الكريم، فقال:
(إذا جاوز القارئ حدّ الالتفات إلى
نفسه ولم يشاهد إلّا الله في قراءته انكشف له الملكوت بحسب أحواله، فحيث يتلو آيات
الرجاء ويغلب على حاله الاستبشار ينكشف له صورة الجنّة فيشاهدها كأنّه
يراها عيانا، وإن غلب عليه الخوف كوشف بالنّار حتّى يرى أنواع عذابها، وذلك لأنّ
كلام الله يشتمل على السهل اللّطيف والشديد العسوف والمرجوّ والمخوف، وذلك بحسب
أوصافه، إذ منها الرّحمة واللّطف والانتقام والبطش، فبحسب مشاهدة الكلمات والصفات
ينقلب القلب في اختلاف الحالات وبحسب كلّ حالة منها يستعدّ للمكاشفة بأمر يناسب
تلك الحالة ويقاربها، إذ يستحيل أن يكون حال المستمع واحدا والمسموع مختلف إذ فيه
كلام راض، وكلام غضبان وكلام منعم، وكلام منتقم، وكلام جبّار متكبّر لا يبالي
وكلام حنّان متعطّف لا يهمل) ([579])
ولذلك
كان القرآن الكريم أعظم دواء نفسي، ولكل العلل، وهو ما يشير إليه ذلك