اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 291
لمعاينة قدرته)
وقال
آخر يعبر عن عظم الحلاوة التي يجدها من يصل إلى تلك الدرجة: (كنت أقرأ القرآن فلا
أجد له حلاوة حتّى تلوته كأنّي أسمعه من رسول الله a يتلوه على أصحابه، ثمّ رفعت إلى مقام
فوقه فكنت أتلوه كأنّي أسمعه من جبرئيل عليه السّلام يلقيه على رسول الله a، ثمّ
جاء الله تعالى بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلّم به، فعندها وجدت له لذّة
ونعيما لا أصبر عنه) ([577])
وعند
هذه الحالة تخرج قراءة القرآن الكريمة من مرحلة التكلف والتكليف إلى مرحلة التنعم
والتلذذ، لأن القارئ يعيش حينها الحقائق القرآنية، ويراها بعينه، ويتلذذ بذلك أعظم
لذة، وقد قال حذيفة ـ معبرا عن تلك الحالة: (لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة
القرآن)
لكن ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ يحتاج إلى
المجاهدة والصبر والعزيمة؛ لأن تلك الحلاوة فضل من الله تعالى، وهو لا يجازي به
إلا من أثبتوا صدقهم وحسن صحبتهم لكلامه، كما عبر عن ذلك بعضهم، فقال: (كابدت القرآن
عشرين سنة، وتنعّمت به عشرين سنة)
وقد ذكر الإمام الصادق الأسباب المعينة
لذلك، فقال: (من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرقّ قلبه ولم ينشئ حزنا ووجلا في
سرّه فقد استهان بعظم شأن الله وخسر خسرانا مبينا، فقارئ القرآن يحتاج إلى قلب
خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم.. وإذا
تفرّغ نفسه من الأسباب تجرّد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن
وفوائده، وإذا اتّخذ مجلسا خاليا واعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين