وقال آخر: (فمن فتح الله بصيرته يراه الآن يتنزل به الروح الأمين، وإذا قرأه
يقرأه من إمام مبين، وأعظمهم درجة من يتلقاه من أرحم الراحمين وقليل ما هم)([560])
وقد سمى بعض
الحكماء هذا المعنى بـ (الترقي)، وعرفه بأن (يسمع الكلام من الله عز وجل لا من
نفسه)([561])
وبين أن
القراءة النافعة ثلاث درجات، ولكل درجة السلوك الخاص المرتبط بها ([562]):
الأولى، وهي أدناها
أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع
منه فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال.
والثانية، وهي
أرفع من التي قبلها: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه
بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم
والثالثة، وهي أعلى الجميع: أن يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات،
فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه،
بل يكون مقصور الهم على المتكلم، موقوف الفكر عليه، كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم
عن غيره، وقد عبر عن هذه الدرجة الإمام الصادق فقال: (والله لقد تجلى
الله عز وجل لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون)، وقال، وقد سألوه عن حالة لحقته في
الصلاة حتى خر مغشيا عليه فلما سرى عنه قيل له في ذلك فقال: (ما زلت أردد الآية
على قلبي حتى سمعتها من