وبهذا تصبح كل
آيات القرآن الكريم مؤثرة، وفي جميع مناحي الحياة، حتى ما تعلق من ذلك بالأمم
السابقة، كما عبر عن ذلك بعض الحكماء، فقال: (ومهما اعتبرنا ما بين دفتي المصحف
كتابا من الله جل ثناؤه وصل إلينا بالخصوص لزمنا أن لا نحمل ما أوعد الله أو وعد
به على غيرنا من الأمم، فمهما ثبت الاستحقاق في شخص بشيء من ذلك فيكون هو المقصود
نفسه بذلك الخطاب، وهكذا سائر الأوامر والنواهي والترغيبات والترهيبات، وهذا وجه
كون الكتاب إلينا) ([564])
ورد على ما قد
يتعقب عليه به مما تذكره عادة كتب التفسير من رد أسباب النزول إلى أشخاص معينين أو
أحداث معينة بأن سبب النزول مرتبط فقط بابتداء النزول، يقول في ذلك: (وأما كون
الآية نزلت في فلان أو فلان، إنما ذلك الشخص سبب لابتداء تهيئ الجنس المستحق لذلك
الوصف أو الحكم، والمعتبر من خطاب الله عموم اللفظ لا خصوص السبب) ([565])
وسر ذلك كله ـ
أيها المريد الصادق ـ يعود إلى حقائق الروح الإنسانية؛ فـ (الأرواح جنود مجندة
متساوية في تعلق الخطاب بها ليست متعاقبة الوجود كتعاقب الأجسام، فأرواح المنافقين
مثلا من عهد رأس المنافقين الأولين إلى خاتمهم يشملهم وعد المنافقين، فتكون آية
المنافقين نزلت في كل فرد من ذلك الجنس، وقس على ذلك أنواع المخاطبين، وإلا كان
الكثير من ألفاظ التنزيل في حيز التعطيل) ([566])