اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 177
فيك أيما تأثير؛ فرسول الله a وأئمة
الهدى لم يقصدوا أن يدعو بها لأنفسهم فقط، وإنما قصدوا أن يربوا بها الأمة،
ويعلموها كيف تتضرع إلى ربها وتستكين له، حتى تخرج عبوديتها من حجب الغفلة إلى
رياض اليقظة، ومن دركات النفس الأمارة إلى درجات النفس المطمئنة.
الاستغناء والكمال:
أما
الركن الثاني من أركان التضرع إلى الله؛ فشعورك ـ أيها المريد الصادق ـ بعظمة ربك
واستغنائه عنك وعن كل خلقه، وأنك أنت الذي تحتاج إليه في كل شيء، ولذلك فإن المنة
له وحده، وهو ما يحميك من كل الأمراض التي يسببها الاستغناء عن الله بسبب
الاستغناء بالنفس.
وقد
أشار الله تعالى إلى هذا الركن، وعلاقته بالركن السابق في قوله في دعاء يونس عليه
السلام: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]، فقد تضمن
هذا الدعاء كلا المعنيين: توحيد الله وتنزيهه الدالين على عظمته وغناه، كما تضمن
الاعتراف بالتقصير والعجز والحاجة.
ولهذا
قال a في فضل ذلك الدعاء: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا
استجاب الله له)([321])
ولذلك
تمتلئ أدعية رسول الله a وورثته من بعده بذكر كمال الله وعظمته إلى جانب الاعتراف بالحاجة
والضعف والقصور، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في الحديث عنه a