ويذكر
القرآن الكريم أن هناك فرقا أخرى من الناس، لا تبدي ذلك الصبر على المعاناة، مثلما
فعل الفريق السابق، وإنما تتلون بتلون الأحوال؛ فإن أصابها البلاء تضرعت، وإن كشف
عادت إلى طبيعتها، كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ
هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا
وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 63، 64]
ولهذا
يدعو الله تعالى المؤمنين إلى ألا يكونوا أمثال هؤلاء الذين يعبدون الله على حرف،
وإنما من أولئك الذين يتضرعون إلى الله في كل حين؛ فلا يكون دعاؤهم لله إلا تضرعا
واستغاثة واستكانة، كما قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]
وهكذا
يدعو إلى التضرع أثناء الذكر، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ
تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]
وبذلك
فإن التضرع ـ أيها المريد الصادق ـ لا يرتبط بالدعاء فقط، وإنما هو تلك الحال التي
يظهر عليها العابد لله تعالى، سواء كان ذاكرا أو داعيا أو مصليا أو في أي حال من
أحواله، وقد ورد في الصلاة قوله a في الحديث القدسي: (إنما أقبل
الصلاة ممن يتواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي، ويقطع نهاره بذكري ولا
يتعظم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، ويرحم المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك
يشرق نوره مثل الشمس، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلما، أكلأه بعزتي
وأستحفظه ملائكتي، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات
الفردوس لا يسبق
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 167