اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 157
أما
علاقة الدعاء بالتحقق والمعرفة الإلهية؛ فقد عبر عن الآداب والشروط المرتبطة به
بعض الحكماء، فقال: (لا يكن طلبك سببا إلى العطاء منه
فيقلّ فهمك عنه، وليكن طلبك لإظهار العبوديّة وقياما بحقوق الربوبيّة)
وعبر
عنه آخر، فقال: لا يكن حظك من الدعاء الفرح بقضاء حاجاتك فتكون من المحجوبين وليكن
همك مناجاة محبوبك)
ويعني
بذلك أن غرض
العارفين من الطلب من الله ليس تحقيق حاجاتهم فقط، فالله أعلم بها منهم، ولكن
غرضهم إظهار العبودية،
والقيام بحقوق الربوبية، وإلا فإن كرم الله أعظم من أن ينتظر الدعاء أو الطلب، كما
عبر عن ذلك الحكيم بقوله: (كيف يكون طلبك اللاحق سببا في
عطائه السابق.. جلّ حكم الأزل أن يضاف إلى العلل) ([276])
وقال: (عنايته فيك لا لشيء منك، وأين كنت حين واجهتك عنايته، وقابلتك
رعايته؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال، ولا وجود أحوال، بل لم يكن هناك إلا محض
الإفضال ووجود النّوال) ([277])
وقال
آخر: (التوحيد أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علاج، وصنعه لها بلا مزاج،
وعلة كل شيء صنعه، ولا علة لصنعه، وليس في السموات العليا ولا في الأرضين السفلى
مدبر غير الله، وكل ما يخطر ببالك فالله مخالف لذلك)
وإياك
ـ أيها المريد الصادق ـ أن تسيء فهم هذه الكلمات، فتترك الدعاء، أو تتعالى عليه،
أو تتوهم أنك لا تدعو إلا لتنفيذ ما أمرت به، وأنك مستغن عن حاجتك التي تطلبها؛
فذلك سوء أدب منك.