اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 79
ـ 31)
فقد اعتبر نوح u ما
واجهه قومه به من الاستهزاء والسخرية شبهة تحتاج إلى إجابة، فراح يجب عليها بكل ما
أوتي من حجج، وهو مع ذلك لا يزال يخاطبهم بحميمية، يقول لهم:(ياقوم) ينسبهم إليه،
وينسب نفسه إليهم، ويتلطف في توجيه أنظارهم، ولمس وجدانهم.
ولكنه مع هذه الملاطفات لم يتنازل عن الحق الذي يؤمن به
ويدعو إليه ففرق كبير بين الأدب وبين المداهنة على الباطل، يقول سيد تعليقا على
الآيات السابقة:(وهكذا ينفي نوح u عن نفسه وعن
رسالته كل قيمة زائفة وكل هالة مصطنعة يتطلبها الملأ من قومه في الرسول والرسالة.
ويتقدم إليهم بها مجردة إلا من حقيقتها العظيمة التي لا تحتاج إلى مزيد من تلك
الأعراض السطحية. ويردهم في نصاعة الحق وقوته، مع سماحة القول ووده إلى الحقيقة
المجردة ليواجهوها، ويتخذوا لأنفسهم خطة على هداها. بلا ملق ولا زيف ولا محاولة
استرضاء على حساب الرسالة وحقيقتها البسيطة. فيعطي أصحاب الدعوة في أجيالها جميعا،
نموذجا للداعية، ودرسا في مواجهة أصحاب السلطان بالحق المجرد، دون استرضاء
لتصوراتهم، ودون ممالأة لهم، مع المودة التي لا تنحني معها الرؤوس)[1]
وبعد هذه الإجابات القوية الهادئة، وبعد يأس قوم نوح من
مناهضة الحجة بالحجة؛ إذا هم يتركون الجدل إلى التحدي، ويحولون الحوار الهادئ إلى
بركان غضب فائر ﴿ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ
جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ (هود:32)