اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 165
وعبر ابن عطاء الله عن ذلك بالدعوة إلى الجمع بين
النظرين: نظر التوحيد الذي يقتضي إفراد الله بالشكر على النعمة، ونظر الشريعة
الداعية إلى الاعتراف بقضل الوسائط، فقال:(إن كانت عين القلب تنظر إلى أن الله
واحد في منته، فالشريعة تقضي أنه لا بد من شكر خليقته)، أي إن كانت البصيرة التي
هي عين القلب تنظر إلى أن الله تعالى واحد في منته ؛ بمعنى أنه المعطي في الحقيقة
لا غيره فلا يستحق الشكر سواه، فالشريعة أمرتنا أن نشكر أيضاً من وصلت النعمة على
يده.
ولذلك كان الكمال في النظر إلى الجهتين جميعا، وبكلا
النظرين، فيشكر الله حقيقة، ويشكر الخلق مجازاً امتثالاً لأمر الخالق.
وقد قسم ابن عطاء الله الناس نحو الجمع بين هاتين
النظرتين إل ثلاثة أقسام:
الغافلون: وهم المنهمكون في غفلتهم، الذين قويت دائرة
حسهم، فنظروا الإحسان من المخلوقين ولم يشهدوه من رب العالمين، إما اعتقاداً لذلك،
وهو شرك جلي، لأن من اعتقد أن المؤثر والمعطي هو العبد فشركه ظاهر جلي يخرجه من
ربقة الإيمان، وإما أن ينسب ذلك إلى العبد استناداً، وهو شرك خفي لكونه أشرك مع
الله غيره ففي إيمانه نقص.
المجذوبون: وهم المستغرقون في أحوالهم، بحيث غابوا عن
الخلق بشهود الله، وفنوا عن الأسباب بشهود مسبب الأسباب، وهؤلاء قد لا يلتفتون إلى
شكر الخلق لاندهاش بصيرتهم وعماها عن النظر إلى الحق.
وهم أكمل من الصنف السابق، لامتلائهم بالتوحيد، وهم
أنزل درجة من الصنف التالي لتقصيرهم فيما تقتضيه الشريعة في هذا المقام.
العارفون: وهم الكمل الذين جمعوا بين التوحيد والشريعة،
قال ابن عطاء الله:(وأكمل منه عبد شرب فازداد صحواً، وغاب فازداد حضوراً، فلا جمعه
يحجبه عن
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 165