اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 166
فرقه ولا فرقه يحجبه عن جمعه، ولا فناؤه عن بقائه ولا
بقاؤه يصده عن فنائه، يعطي كل ذي قسط قسطه ويوفي كل ذي حق حقه، وهذا حال خواص
الخواص، فإن من شرب من كؤوس التوحيد فازداد صحواً بعد سكره، وغاب عن الخلق فازداد
حضوراً معهم بربه قد شرب بالكأسين وجمع بين المزيتين، فباطنه مكمل بالحقيقة،
وظاهره مجمل بالشريعة، فيشكر الخلق والحق لا يغيب عن الحق في حال مخالطة الخلق
ليعطي كل ذي قسط قسطه)
الإخلاص:
وإليه الإشارة بقوله تعالى مخبرا عن مقالة الأبرار بعد
إطعامهم الطعام:﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً﴾ (الانسان:9)، أي لا نريد منكم مكافأة، ولا
أن تثنوا علينا بذلك[1].
وسر ذلك أن المبالغة في الشكر قد تجعل قبلة العمل
متوجهة للشكر وثناء الخلق لا متوجهة لله رب العالمين، فلذلك قد يترك الخير أو يقصر
فيه إن خشي جحود من قدم له الخير، ولهذا أدبنا القرآن الكريم على أن نستمر في فعل
الخير حتى لمن أساء إلينا.
وقد ورد في حديث الإفك الطويل أنه لما أنزل اللّه براءة
عائشة قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره ـ وهو من
الذين وقعوا في هذا الحديث ـ:(واللّه لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال
لعائشة)، فأنزل اللّه تعالى تأديبا له ولهذه الأمة:﴿ وَلا يَأْتَلِ أُولُو
الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
[1]
والآية تحتمل أن ذلك قولهم بألسنتهم، وهو ما يقتضيه ظاهرها، أو أن يكون ذلك تعبيرا
عن حالهم، كما قال ابن عباس :« كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين أطعموا »، وعن
مجاهد قال :« أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله جل ثناؤه منهم فأثنى به عليهم؛
ليرغب في ذلك راغب ».
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 166