وهذ هو المراد بما ذكره الصالحون من عدم التفاتهم في
طاعاتهم للجنة أو النار، لا أنهم لا يرغبون في الجنة أو لا يرهبون من النار، وكيف
لا يرغبون في الجنة، وهي محل اللقاء، وكيف لا يرهبون من النار، وهي محل الحجاب
والطرد.
ولهذا يجمع القرآن الكريم بين الوصفين: وصف الخشوع الذي
يعني إخلاص الوجه لله، وسلامة المقصد في عبادته، وبين الرغبة فيما في يد الله
والرهبة منه، فقال تعالى واصفا أنبياءه المصطفين:﴿ إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الانبياء:90)
ومثل ذلك وصفه تعالى أكمل المؤمنين إيماناً، قال تعالى:﴿
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً
وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ﴾ (السجدة:15 ـ 16)
ولهذا كان a يخبر أن العمل
ليس سببا بحد ذاته للأجر، وإنما سببه رحمة الله حتى لا يقصد بالعمل غير وجه الله، ففي
الحديث، قال a:(ما من أحد يدخل
الجنة بعمله)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:(ولا أنا إلا أن يتغمدني الله
برحمة منه)[1]
ومع ذلك، فقد حصلت بعض المبالغات في هذا الباب تستوجب
الإنكار، أدت بالبعض إلى احتقار الجنة وازدرائها، والحديث عنها حديثا لا يتناسب مع
ما أخبر الله تعالى من كونها منزلة كرامة لأوليائه.