اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 108
وتطرفه.
ولهذا لما تصور بعضهم أن حقيقة العبادة وكمالها في
التفرغ لها حسب بعض صورها أنكر رسول الله a ذلك
إنكارا شديدا، مبينا لهم طريق الاعتدال، ومنهج التوازن، وهو طريقه ومنهجه a، أي
سنته التي يجب اتباعها، ولا يجوز رفضها، قال a للثلاثة
الذين سألوا عن عبادته من أزواجه، فلما عرفوها تقالوها[1]، ثم
برروا ذلك بقولهم:(أين نحن من رسول الله، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر؟)، ثم قال أحدهم:(أما أنا فأصوم الدهر، ولا أفطر)، وقال الثاني:(وأنا أقوم
الليل فلا أرقد)، وقال الثالث:(وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا)، فلما سمع النبي
a مقالتهم جمعهم وخطب فيهم قائلا:(إنما أنا أخشاكم لله
وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس
مني)
وسر ذلك أن هؤلاء غابت عنهم كثير من الفرائض التي تجعل
حياتهم متوازنة معتدلة لا يغلب فيها جانب جانبا، فطلبوا عبادة الله بما أحبوا لا
بما أحب، مع أن أفضل العبادة هي أن يؤدي المؤمن ما طلب منه أولا.
وكمثال على ذلك ما روي أنه لما آخى النبي a بين
سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما
شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له
طعاماً فقال له: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى نأكل. فأكل، فلما كان الليل
ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم فقال له: نم. فلما كان آخر
الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا جميعا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن
لنفسك عليك حقاً، لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي