ائذن لي سيدي بعد هذا أن أذكر لقومي
الأسرار التي بوأتك كل هذه المناصب الجليلة، والمفاخر المنيفة.. وقد رأيت أنها
تكمن في سر واحد هو [الطمأنينة]
بذلك وصفك ربك.. فأنت مطمئن بالإيمان،
ومطمئن للحقيقة، لا تتردد في قبولها، ولا في الإذعان لها، بل تضحي بكل شيء في
سبيلها.وقد جعلك ذلك تتعرض لأنواع كثيرة من البلاء، لا من
المشركين وحدهم، أولئك الذين عذبوك، وعذبوا أهلك، وإنما ممن يزعمون أنهم مؤمنون،
وأنهم من هذه الأمة، فلذلك كما ضربت في الجاهلية ضربت في الإسلام، بل إن ما عجز عن
فعله المشركون من قتلك قدر عليه من يدعون الإيمان.ولذلك شرفك
الله بالمواجهة مع الفريقين.. مع المشركين الذين حاربوا التنزيل.. أو مع المسلمين
الذين مارسوا التأويل، كما عبرت عن ذلك بقولك ـ بعد أن رأيت راية عمرو بن العاص ـ:
(والله إن هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأشدهن)، ثم قال:
نحن ضربناكم على تنزيله
فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
وقد
أخبر حذيفة بن اليمان عن دورك في تلك الحرب، حيث جاءه نفر يسألون عن الفتنة وكيفية
التعامل معها، وقالوا له: يا أبا عبد الله، إن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم استجار
من أن تصطلم أمته، فأجير