اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 75
وهكذا
كانت كل مواعظك، ولذلك كان الجالسون إليك، أو إلى مواعظك التي لا نزال نحفظها، لا
يجدون أنفسهم إلا وأعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.
وقد
وصف بعض أصحابك ذلك، فقال:(وعظنا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب..)[1]
وهو
لا يريد من كونها بليغة ما يتوهمه المتكلفون والمتنطعون والمتقعرون من كثرة
محسناتها البديعية، وسجعها، وغريب ألفاظها، فأنت أبعد الناس عن ذلك، وبلاغتك التي
استفدتها من الوحي المنزل عليك أعظم من أن تسجن نفسها في سجون الألفاظ والتراكيب..
ولذلك كانت بلاغة موعظتك في قدرتها على التوصل إلى إفهام المعاني، وإيصالها إلى
قلوب السامعين بأحسن صورة وأجملها وأحلاها وأكثرها تأثيرا.
أما
ذلك التكلف الممقوت الذي راح بعض الخطباء يشوه به المعاني التي جئت بها، فقد كنت
تنهى عنه، وتحذر منه، وقد قلت في ذلك: (إنّ الله عزّ وجلّ يبغض البليغ من الرّجال
الّذي يتخلّل بلسانه تخلّل البقرة بلسانها)[2]
وكنت
تعتبر أولئك المتكلفين المتنطعين أبعد الناس عنك، وعن الهدي الذي جئت به، وقد قلت
في ذلك: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مجلساً مني يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً، وإن
أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون)[3]
ولذلك
كانت مواعظك ـ سيدي ـ مرسلة سهلة بسيطة، ولكنها مع ذلك عميقة
[1]
رواه أبو داود (4607)، وابن ماجة (42)، أحمد (4/ 126، 127)، الحاكم (1/ 96/ 97).
[2] أبو داود (5005) واللفظ له،
الترمذي (2853) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.