اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 341
عن معاينة الملك؟.. وهل يمكن لمن استطاع أن يتواصل مع عالم الغيب أن يعجز
عن التواصل
مع عالم شهاده؟.. وهل يمكن لمن استطاع أن تمتد عيناه للأفلاك العليا، فيرى من أسرارها ما لا يراه غيره أن يعجز عن رؤية ما هو أمامه؟
إن الذي يقول ذلك سيدي، لا يختلف عن ذلك الذي يتصور أنه يمكن لمن استطاع عقله
أن يحل أعقد المسائل الرياضية أن يعجز عن حل مسألة جمع أو طرح أو ضرب.
بل إن الأمر بالنسبة لك أعظم؛ فأنت لم تكن تملك الذكاء المجرد، ولا العبقرية
البشرية المحدودة فقط، وإنما كنت تملك معهما حكمة مسددة من الملأ الأعلى متواصلة
تواصلا دائما معك..
ولذلك
كنت غنيا عن استشارة غيرك، وقد قلت في ذلك: (أما إنَّ الله ورسوله لغنيان عنها،
ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم
يعدم غيًّا)[1]
بل إن القرآن الكريم أشار إلى ذلك عندما أمرك باستشارة أصحابك، فقد أخبرك
أن ذلك من مقتضيات رحمتك بهم، وتأليفك لقلوبهم، قال تعالى: ﴿فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]
إن
مثلك في ذلك ـ سيدي ـ مثل الأستاذ الذي يتيح لطلبته أن يدلوا بآراهم في مسألة من
المسائل، ثم يظهر عجبه من عبقريتهم وذكائهم، وإن كان هو نفسه يعلم بذلك مسبقا..