اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 321
العفو
الحليم
سيدي يا رسول الله.. يا من أدبه ربه فأحسن تأدبيه، ورباه
فأحسن تربيته.. وكان من تأديبه له قوله: ﴿فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85]، وقوله: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 89]
لقد
رحت أقرأ هذه الكلمات المقدسة في سفر حياتك؛ فوجدتها منطبعة بحروفها في كل لحظة من
لحظاتها.. أو موقف من مواقفها.. حتى تلك المواقف الشديدة التي تهتز لها القلوب..
ويأبى الطبع إلا أن يغلب صاحبه فيها.. لكنك ـ يا سيدي يا رسول الله ـ كنت تملك
زمام نفسك، وتواجهها بما أدبك ربك من الصفح الجميل.
لا
أزال أرى بعيني ذلك الأعرابي الذي راح يدنس المسجد.. فهم به الأصحاب لينهروه..
لكنك نهرتهم بكل لطف.. وقلت لهم بكل هدوء: (دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء
أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين) [1]
ولا
أزال أرى بعيني ثمامة بن أثال، ذلك الذي حاربك، فلما تمكنت منه، وأصبح أسيرا لديك،
خرجت إليه، وقلت له: (ما عندك يا ثمامة؟) فقال: (عندي خير يا محمّد إن تقتلني تقتل
ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت).. فأطلقته من
غير أن تطالب بفدية ولا مال.. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثمّ دخل
المسجد، وقال مخاطبا لك، بعد أن أسرت قلبك بصفحك وجميل أخلاقك: (أشهد أن لا إله
إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. يا محمّد، واللّه ما كان على الأرض وجه
أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. واللّه ما كان