ولو
أن أولئك المجادلين المشاغبين كلفوا أنفسهم بالعودة إلى تلك الكتب التي يدّعون أنه
يمكن لأهل الكتاب أن يكتفوا بها عن اتباعك، لرأوا فيها من الطامات والخرافات
والخزعبلات والأساطير ما يتنافى مع دين الله.. فهل يمكن أن يطالبوا بالإيمان بكل
ذلك؟.. هل يمكن أن نعتبر تلك الكتب بعد ذلك، ثم نطلب من أهل الكتاب إقامتها، وأن
يضيفوا إليها فقط الاعتراف بكونك مجرد رسول لا يجب اتباعه؟
إن
هؤلاء سيدي لم يفهموا الغرض من تلك الآيات الكريمة، لأنهم حكموا أهواءهم فيها..
ولو أنهم عادوا للراسخين في العلم الذين يحكمون المحكم على المتشابه لعلموا أن
المراد منها غير ما فهموه.
فالله
تعالى في تلك الآية الكريمة يدعو أهل الكتاب للعودة لكتابهم ليتمثلوا القيم
النبيلة الموجودة فيه، ويتمثلوا ما ورد فيه من أوامر باتباعك.. وهي لا تعني بذلك
اكتفاؤهم بما فيها عن اتباعك.
بل
إن مثل ذلك مثل من يخاطب سياسيا يراه قد انحرف عن مشروعه الذي طرحه، بالعودة إلى
مشروعه، والعمل بما فيه، مما كان قد وعد به، وذلك لا يعني أن مشروعه معصوم، أو أنه
كاف، وإنما هو نوع من التنزل في مخاطبة الآخر، كما قال تعالى في مخاطبة المشركين:
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا
تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: 25]، فهل يمكن الاستدلال بهذه الآية الكريمة على أن
المسلمين كانوا مجرمين؟
ومثل
ذلك تنزل إبراهيم عليه السلام مع الملك، عندما قال له ﴿رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: 258]، فجادله
الملك، وقال: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: 258]،
اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 123