اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 103
وأنا
أشعر بأن ذلك الحبيب العظيم الذي امتلأ قلبي حبا له وشوقا إليه، ليس عارفا، ولا
عالما، ولا عابدا، ولا عبقريا فقط.. وإنما هو فوق ذلك يتربع على عرش الشجاعة الذي
لا ينافسه فيه أحد.
فالشجاعة
التي واجهت بها المشركين واليهود والمنافقين.. وكل المناوئين.. لم يكن ليجسر على
الإقدام عليها غيرك.. وغير من اهتدى بهديك.
لا
أزال أذكر سيدي ذلك الموقف الذي وقفته على الصفا، وأنت تعلم خطورته، وتأثيره في
قومك الحريصين على أصنامهم وأوثانهم.. لقد رحت تناديهم بكل قوة، وتقول لهم:
(أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي)، قالوا:
نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا.. فقلت لهم: (فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد)،
حينها قام عمك أبو لهب غاضبا، وهو يقول: (تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟)[1]
لكن
ذلك الموقف لم يؤثر فيك.. بل ظللت تنادي فيهم.. وهم يرمونك بالحجارة، ويحرضون
الأطفال والمجانين عليك.. وأنت لا تبالي بهم.. ولا بسخريتهم.. ولا برميهم لك بكل
أصناف السباب.
وعندما
لم تجد منهم آذانا صاغية رحت تسير المسافات الطويلة إلى الطائف، وأنت تعلم أن
قسوتهم وغلظتهم لا تقل عن قومك.. وواجهتهم بشجاعة، وطرحت لهم بكل قوة ما كلفك الله
به.. وقابلت بكل شجاعة ما واجهوك به.. وعندما اضطررت إلى الشكوى، لتنفس عن قلبك
بعض حزنك عليهم، لم تشك لهم كما يفعل الجبناء، وإنما
[1] البخاري- فتح الباري 8/ 360،
609 (الاحاديث رقم 4770، 4971)
اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 103