اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 54
احتـموا بتـلك الربوبيـة وانقادوا لتلك
الحكمة والعدالة، وأن لا يجازي أولئـك الذيــن عصَـوا بكفرهم وطغيانهم تلك الحكمةَ
والعدالــة؟.. بينما الإنسان لا يَلقى ما يستحقه من الثواب أو العقاب في هذه
الحياة الفانية على وجه يليق بتلك الحكمة وتلك العدالة إلاّ نادرا، بل يؤخَّر، إذ
يرحل أغلبُ أهل الضلالة دون أن يلقوا عقابهم، ويذهب أكثرُ أهل الهداية دون أن
ينالوا ثوابهم.. فلابد أن تُناط القضيةُ بمحكمة عادلة، وبلقاءٍ آيل إلى سعادة عظمى)[1]
ثم دعا إلى النظر في الكون، للعبور منه إلى
هذه الحقيقة، فقال: (إن منح كل شيء وجودا بموازين حساسة، وبمقاييس خاصة، وإلباسَه
صورة معينة، ووضعَه في موضع ملائم.. يبيّن بوضوح أن الأمور تسير وفق عدالة وميزان
مطلقين.. وكذا، إعطاء كل ذي حق حقَّه وفق استعداده ومواهبه، أي إعطاء كل ما يلزم،
وما هو ضروري لوجوده، وتوفير جميع ما يحتاج إلى بقائه في أفضل وضع، يدلّ على أن يد
عدالة مطلقة هي التي تُسيّر الأمور.. وكذا، الاستجابة المستمرة والدائمة لما يُسأل
بلسان الاستعداد أو الحاجة الفطرية، أو بلسان الاضطرار، تُظهر أن عدالةً مطلقة،
وحكمة مطلقة هما اللتان تُجريان عجلة الوجود)[2]
وبناء على هذا كله يتساءل النورسي قائلا: (هل
من الممكن أن تهمل هذه العدالةُ وهذه الحكمة تلك الحاجةَ العظمى، حاجةَ البقاء
لأسمى مخلوق وهو الإنسان؟ في حين أنهما تستجيبان لأدنى حاجة لأضعف مخلوق؟ فهل من
الممكن أن تردّا أهمَّ ما يرجوه الإنسانُ وأعظمَ ما يتمناه، وألّا تصونا حشمة
الربوبية وتتخلّفا عن الإجابة لحقوق العباد؟)[3]