اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 523
سوف يخرجون من الظلمات إلى النور، بينما
غيرهم، وهم الذين سلموا أنفسهم للمشاغبين والطواغيت، فإنهم سيسيرون سيرا عكسيا،
بحيث لا يكتفون بالخروج عن فطرتهم النقية، وإنما قد يقعون في الانتكاسة العظمى
التي تخرجهم من إنسانيتهم، وتوقعهم في المهالك.
ولكن الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء
يعطي الفرص الكثيرة التي لا تنتهي لأولئك الذين آثروا الظلمات على النور.. لعلهم
يخرجون منها؛ فإن آثروا البقاء فيها كان ذلك بسببهم، وليس قصورا من الرحمة
الإلهية.. ولذلك؛ فإن المشكلة ليست في سعة الرحمة الإلهية، وإنما في توفر القابلية
لها..
وكمثال تقريبي على ذلك، أننا لا نرمي شخصا
بالبخل إلا إذا شحت يده عما يتطلبه الكرم من الإحسان، لكنه إن فعل ذلك، ووفر
الكثير من الخدمات للمحتاجين بكل سهولة ويسر.. لكن بعض المحتاجين لم يتقدم
للاستفادة من تلك الخدمات.. فإن المشكلة هنا لا تكمن في المعطي، وإنما في مدلى
قابلية المتلقي.
وهكذا الرحمة الإلهية.. بل كل المعاني
النبيلة في الأسماء الحسنى، كالهداية واللطف والرزق وغيرها.. فالله تعالى وفرها،
وبكثرة.. لكن المشكلة أن البعض لا يتعرض لها، ولذلك يحق له أن يتهم نفسه في عدم
توفير القابلية، ولا يحق له أن يتهم الله تعالى.. أو بعبارة أخرى: يحق له أن يتهم أو
يلوم أو يحاسب نفسه في عدم سعيه إليها، ولا يحق له أن يتهم الله تعالى في حرمانه
منها.
بناء على هذا وضع الله تعالى المراتب
المختلفة في دار الجزاء، ليتنقل أصحابها من طور إلى طور بحسب استعدادهم وقابلياتهم
واختياراتهم.
وقد وضحت سورة الفاتحة المراتب الكبرى للخلق
في هذا المجال، حيث ذكرت أربعة أصناف:
الصنف الأول: المنعم عليهم، الممثلون للسراط
المستقيم، والذين طولب الخلق
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 523