من
خلال ما سبق ذكره من أنواع النعيم الحسي والمعنوي في الجنة، لاحظنا أن ذلك النعيم
يغطي كل حاجات الإنسان ورغباته المشروعة، والتي لها نظير في الدنيا.
وبناء
على هذا نرى أن ما ذكر في القرآن الكريم حول الولدان المخلدين لا يعني ما ذكره
أكثر العلماء من كونهم خدم أهل الجنة؛ فأهل الجنة لا يحتاجون إلى خدم، ذلك أنه
يكفي أن يهم أحدهم بالشيء، حتى يحضر أمامه من غير حاجة لتكلف إحضار أو طبخ مثلما
هو حاصل في الدنيا.
ولذلك
فإن النعيم المرتبط بهم هو ذلك الشعور الذي يبثه الله تعالى في قلوب أهل الجنة،
والذي يماثل ذلك الشعور الذي كان في الدنيا حول الأبناء، وخاصة عندما يكونون في
حال الصبا، حيث يشعرون نحوهم بعاطفة خاصة، لا يمكن أن تعوضها أي عاطفة أخرى.
أما ما
ورد في القرآن الكريم من طوافهم عليهم بالأكواب والأباريق، كما قال تعالى: ﴿يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ
مَعِينٍ﴾ [الواقعة: 17، 18]؛ فهو لا يعني أنهم خدم، وإنما ذكر من باب
مماثلة ذلك لما يحصل في الدنيا عندما يحضر الأبناء لآبائهم، وخاصة عند حضور الضيوف
ما يلزم من خدمة.
ولهذا
ذكر هؤلاء الولدان المخلدون في مواضع أخرى من غير ذكر الخدمة، كما قال تعالى: ﴿وَيَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾
[الإنسان: 19]، ويقول: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ
لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: 24]