اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 485
ذلك أن لهذا النوع من الجزاء جذورا في الحياة
الدنيا، كان لها آثارها في الشخصية؛ فمن الناس من يقعد به حبه لمسكنه وما وفر فيه
من راحة عن بذل الجهد لتحقيق القيم الصالحة في نفسه أو دعوة الناس إليها، ومنهم من
يضحي بكل شيء في سبيل امتلاك تلك القيم النبيلة أو السعي لتحقيقها في الأرض.
ولهذا كان الجزاء الوفاق لكلا الطرفين أن
يكون له من المساكن والفرش في الآخرة ما يتناسب مع ما ارتضاه لنفسه في الدنيا.
ولهذا نرى في القرآن الكريم التحذيرات
الشديدة من الركون إلى الراحة في تلك المساكن الدنيوية، من دون بذل الجهد للعمل
الصالح الذي لأجله خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24]
وهكذا يعاتب الله تعالى الراكنين للحياة
الدنيا، فيقول:﴿ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ
الْأَمْثَالَ﴾ [إبراهيم: 45]
ويذكر لهم الهلاك الذي حصل لغيرهم ممن باعوا
أنفسهم مقابل تلك المساكن التي سكنوها، قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ
كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: 128]، وقال: ﴿ وَكَمْ
أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ
تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾
[القصص: 58]
ويذكر لهم البيوت التي عوضوا بها في الآخرة،
نتيجة إهمالهم لأنفسهم، وللقيم الصالحة التي أمروا بمراعاتها، قال تعالى: ﴿لَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ
وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [النور: 57]، وقال: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾
[النحل: 29]، وقال: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
جَهَنَّمَ
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 485