اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 47
والخلاصة
أن هذه القصة التقريبية تصور الواقع بدقة، وتبرهن عليه.. فما نراه من النعم
العظيمة، والتنظيم الدقيق يدل على ضرورة وجود إله يملك هذا الكون، ويدبر أموره،
وكل الأدلة العقلية تدل على ذلك.
ثم إن
هذا الإله ـ بحسب ما يدل علىه الكون ـ يستحيل أن يترك خلقه من دون عناية أو رعاية
أو اهتمام.. وكيف يفعل ذلك، وهو يرعى أبسط حاجاتهم منذ نشأتهم الأولى إلى وفاتهم؟
وذلك
يدل وحده على ضرورة استمرار الحياة، وإلا لكان كل هذا الكون وكل هذه النعم لا معنى
لها.. فما معنى أن يستضيف أحدهم شخصا، ثم يقتله بعد انتهاء ضيافته؟.. وما معنى أن
يربي الأستاذ تلاميذه، ويعلمهم، ثم يسلمهم في نهاية المطاف إلى الموت الذي يقضي
عليهم قضاء كليا؟
هذه
بعض تجليات هذا البرهان، وسنتحدث عنه بتفصيل أكثر عند الحديث عن الجنة والنار،
باعتبارهما المحل الذي تتجلى فيه الربوبية بصور الجزاء أو صورة العقاب.
4 ـ الموت وبرهان العناية:
وهو من البراهين الواضحة لكل من قلب طرفه
فيما وضع الله تعالى في الكون من دلائل عنايته بخلقه، وتلبيته لحاجاتهم دون أن
يسألوها.. وهو لا يدل فقط على وجود الله، كما استدل على ذلك الفلاسفة والمتكلمون[1]، وإنما يدل أيضا على استمرارية الحياة، لأنها
[1]
وخصوصا ابن رشد الذي أولى هذا الدليل عنايته الكبرى، وقد قال معبرا عن ذلك:
(الطريق التي نبه الكتاب العزيز عليها ودعا الكل من بابها إذا استقرىء الكتاب
العزيز وجدت تنحصر في جنسين: أحدهما: طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع
الموجودات من أجلها ولنسم هذه (دليل العناية) والطريقة الثانية: ما يظهر من اختراع
جواهر الأشياء الموجودات مثل اختراع الحياة في الجماد والإدراكات الحسية والعقل،
ولنسم هذه (دليل الاختراع)، ثم ذكر وجه الاستدلال على البرهان الأول [برهان
العناية].. فذكر أنه ينبني على أصلين بقدر فهمهما والرسوخ في معرفتهما، بقدر ما
يتوضح البرهان، وتزال الإشكالات المرتبطة به، أما الأصل الأول، فهو (أن جميع
الموجودات التي ها هنا موافقة لوجود الإنسان)، وأما الأصل الثاني، فهو (أن هذه
الموافقة ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك، مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة
بالاتفاق.. أي صدفة) [انظر الدليل بتفصيل في كتابي: كيف تناظر ملحدا، ص59]
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 47