اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 428
وقد قال الغزالي معبرا عن الغرض من هذا
المشهد من مشاهد الآخرة رادا على المعترضين عليه، وخصوصا أولئك الذين يتهمون
النبوة بسببه: (قد يرد في أمر الآخرة ضرب أمثلة يكذب بها الملحد، بجمود نظره على
ظاهر المثال وتناقضه عنده كقوله a: (يؤتى بالموت يوم القيامة في
صورة كبش أملح فيذبح)، فيثور الملحد الأحمق ويكذب، ويستدل به على كذب الأنبياء ويقول:
يا سبحان اللّه، الموت عرض، والكبش جسم، فكيف ينقلب العرض جسما وهل هذا إلا محال!
ولكن اللّه تعالى عزل هؤلاء الحمقى عن معرفة أسراره.. ولا يدرى المسكين أن من قال:
رأيت في منامي أنه جي ء بكبش، وقيل هذا هو الوباء الذي في البلد، وذبح، فقال
المعبر: صدقت، والأمر كما رأيت، وهذا يدل على أن هذا الوباء ينقطع ولا يعود قط،
لأن المذبوح وقع اليأس منه، فإذن المعبر صادق في تصديقه، وهو صادق في رؤيته. وترجع
حقيقة ذلك إلى أن الموكل بالرؤيا، وهو الذي يطلع الأرواح عند النوم على ما في
اللوح المحفوظ، عرفه بما في اللوح المحفوظ بمثال ضربه له لأن النائم إنما يحتمل
المثال، فكان مثاله صادقا، وكان معناه صحيحا؛ فالرسل أيضا إنما يكلمون الناس في
الدنيا، وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم، فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة، حكمة
من اللّه، ولطفا بعباده، وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل، فقوله:
(يؤتى بالموت في صورة كبش أملح)، مثال ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من
الموت، وقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة، وثبوت المعاني فيها بواسطتها)[1]
وما ذكره الغزالي صحيح، ولكنا لا نرى أنه
مجرد مثل، بل نرى إمكانية وقوع هذا المشهد في الآخرة، ليكون تمثيلا رمزيا يملأ
المحسنين سعادة، ويملأ المسيئين حزنا، مثلما نشاهد في الدنيا عند إقامة المناسبة
المختلفة من إقامة بعض الطقوس التي تعبر عن المناسبات