وهذا جزاء متوافق مع اسم الله تعالى
[الشكور]، وهو يعني شكر الله للمحسنين من عباده، فالشهداء الذين ذاقت أجسادهم
ألوان الآلام، وضحوا بأنفسهم في سبيل الله، يجازيهم الله تعالى بذلك الفرح ليعوض
عن جميع أحزانهم وآلامهم.
وهكذا أخبر الله تعالى عن ذلك الرجل الصالح
الذي وقف منتصرا لرسل الله، فقد قال الله تعالى عنه بعد أن نفذ فيه المجرمون
أحكامهم: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26،
27]
وهكذا أخبر عن ذلك المؤمن الذي ينال صحيفته
بيمينه، فيصيح من فرحه الشديد في أهل الموقف: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا
كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة:
19، 20]
أما المسيئون والمجرمون؛ فإنهم يذوقون في كل
لحظة من الآلام النفسية والغصص والكدر والاكتئاب ما يتناسب مع ذلك العتو والبطر
والكبرياء التي كانوا يعيشونها في الدنيا، كما قال تعالى عن ذلك الذي ينال صحيفته
بشماله: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ
يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ
عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) ﴾ [الحاقة: 25 - 30]
وتكون مراتبهم في ذلك بحسب جرائمهم؛ أما
أولئك الذين أذاقوا المستضعفين كل ألوان الآلام، فتسببوا في قتلهم وتشريدهم
وإيذائهم، فإن كل تلك الغصص التي أصابوهم بها تتحول إليهم أضعافا مضاعفة.
وكما أن الفرح والحزن في الدنيا يتجدد بأسباب
مختلفة، فقد ورد في النصوص ما يشير إلى ذلك التجدد في دار الجزاء، حيث يحدث الله
تعالى في كلا الدارين ما يتسبب في
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 426