اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 425
وإنما كان فرحهم بالله وبفضل الله، ومصحوبا
بالتواضع لعباد الله، والتألم لآلامهم، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
﴾ [يونس: 58]
فهؤلاء المتواضعون الممتلئون بالأدب، والذين
قاسوا ألوان الآلام في الدنيا، يجازيهم الله تعالى بأن يملأ قلوبهم بكل أنواع
الفرح الذي لا ينغص ولا يكدر بأي كدر، والذي ينسيهم كل همومهم وآلامهم التي عانوها
في الدنيا، كما قال تعالى حاكيا عنهم: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي
أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا
يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر: 34، 35]
ووصف النعيم الذي خصهم به، فقال: ﴿فَوَقَاهُمُ
اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾
[الإنسان: 11]
وقد ورد في الحديث الإشارة إلى هذا المعنى في
قوله a:
(يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثم
يُقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا، والله يا ربّ،
ويُؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا، من أهل الجنة، فيُصبغ صبغة في الجنة، فيُقال
له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا ربّ، ما
مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدةً قط)[1]
وقد ذكر القرآن
الكريم أن الفرح الذي يجازي الله به المؤمنين الصادقين يبدأ بعد الموت مباشرة،
ويظل مصاحبا لهم في كل المواقف كما قال تعالى عن الشهداء: ﴿ وَلَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ