اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 369
فهذه
الآية الكريمة دالة على أن كل الخلق يعرضون على النار، ولكن مكثهم فيها يكون بحسب
أعمالهم، وهذا ما نصت عليه الأحاديث والآثار، ومنها ما روي عن جابر بن عبد اللّه قال:
صُمَّتَا إن لم أكن سمعت رسول اللّه a يقول:(لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على
المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم، ثم
ينجي اللّه الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً) [1]
وهذا
يدل على أن هذا الورود يختلف باختلاف الأشخاص، ذلك أن منهم من يمر عليها في لحظات
قصيرة لا تكاد تذكر، ومنهم من يطول مكثه فيها بحسب عمله، وهكذا يكون نوع العقاب
فيها، فمنهم من يراها بردا وسلاما، ومنهم من لا يراها كذلك.
ولهذا اشتد
خوف الصالحين من هذا الورود، والذي يدل على استحالة كمال الاستقامة، فعن قيس ابن
أبي حازم قال: كان عبد اللّه بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى، فبكت
امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال إني ذكرت قول اللّه تعالى:﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾، فلا أدري أنجو منها أم لا؟ وكان مريضاً) [2]
ويروى
عن بعضهم أنه كان إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل له:
ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها[3].
وروي
عن آخر أنه قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك
أنك صادر عنها؟ قال: لا، قال: ففيم الضحك، قال: فما رئي ضاحكاً حتى لحق باللّه[4].
[1]
رواه أحمد (3/328) وقال المنذري في الترغيب (2/306) : رجاله ثقات.