اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 222
الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 73]،
فالآية الكريمة تشير إلى أنه مع كون الله
تعالى مالكا وملكا في كل الأوقات، وعلى كل الأكوان، إلا أن ذلك يتجلى بوضوح عند
النفخ في الصور، وعند النشأة الثانية، وقد قال السبحاني تعليقا عليها: (حكومة الله
على عالم الوجود ومالكيته له قائمتان منذ بداية الخلق حتى نهايته وفي يوم القيامة،
ولا يختص ذلك بيوم القيامة وحده، لكن هناك عوامل وأسباباً تؤثر في مسار هذه الدنيا
وتقدمها نحو أهدافها، لذلك قد يغفل الإِنسان أحياناً عن وجود الله وراء هذه
الأسباب والعوامل، أمّا في ذلك اليوم الذي تتعطل فيه جميع الأسباب والعوامل، فإِنّ
حكومة الله ومالكيته تكونان أجلى وأوضح من أي وقت سابق)[1]
ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿
لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى الله
مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾
[غافر: 15، 16]
وهذا يدل على أن الفزع الذي يصيب الخلائق لا
يرتبط بالمؤمنين الذين كانوا يعلمون، ويوقنون بقدرة الله المطلقة، وإنما يفزع له
من لم يكن يؤمن بذلك، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾
[المدثر: 8 - 10]
وبذلك فإن الاستثناء الوارد في قوله تعالى: ﴿
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ الله وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل:
87] خاص بأولئك المؤمنين الموقنين الذين لا يدهشهم ما يرونه من مظاهر القدرة
الإلهية، لأنهم كانوا أصلا موقنين بها، بل ربما يكون ذلك مدعاة لسعادتهم وفرحهم[2].
[2]
ذكر العلماء أقوالا كثيرة في المستثنين من الصعقة، وقد جمعها ابن حجر في عشرة
أقوال، فقال [فتح الباري(11/320)]: (وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال: الأول: أنهم
الموتى كلهم لكونهم لا إحساس لهم.. الثاني: هم الشهداء.. الثالث: الأنبياء والى
ذلك جنح البيهقي..قال ووجهه عندي أنهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وقد جوز النبي a أن يكون موسى ممن استثنى الله.. الرابع: قال يحيى بن
سلام في تفسيره: بلغني أن آخر من يبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت..
الخامس: يمكن أن يؤخذ مما في الرابع.. السادس: الأربعة المذكورون وحملة العرش وقع
ذلك في حديث أبي هريرة الطويل.. وسنده ضعيف مضطرب.. السابع: موسى وحده أخرجه
الطبري بسند ضعيف.. الثامن: الولدان الذين في الجنة والحور العين.. التاسع: هم
وخزان الجنة والنار وما فيها من الحيات والعقارب.. العاشر: الملائكة كلهم جزم به
أبو محمد بن حزم.. قال البيهقي: استضعف بعض أهل النظر أكثر هذه الأقوال)
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 222